أهمية العمل في الإسلام

خطبة بعنوان (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)

مقدمة

تتجلى أهمية العمل في الإسلام باعتباره واحدًا من أسمى القيم التي يقوم عليها البناء المجتمعي والتفاعل الإنساني. يُعد العمل في الإسلام عبادة إذا كان بنية صادقة، وهو سبيل لتحقق الإنسان من طاقاته وقدراته وتحقيق الاستفادة الذاتية والمجتمعية في الوقت نفسه. فقد جاء في كتاب الله تعالى قولٌ حكيم في سورة التوبة: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، وهي آية تعكس عميق المعنى حول دور الإنسان في العمل، وحتمية أن تكون أعماله خالصة لله تعالى، وتخضع لرقابة الله ورسوله وأيضًا للمؤمنين من حوله، الذين يدركون ثمار العمل ونتائجه على مستوى الأفراد والمجتمعات.

1. أهمية العمل في الإسلام

لقد حثَّ الإسلام على العمل الجاد والمثابرة في كافة ميادين الحياة. العمل في الإسلام لا يُقتصر على نوع معين من الأعمال؛ بل يمتد ليشمل كل عمل يقوم به الإنسان شريطة أن يكون نابعًا من نية صافية، وأن يكون في إطار شرع الله. والرسول صلى الله عليه وسلم كان نموذجًا حيًا على ذلك، فقد عمل في التجارة، وكان راعيًا للغنم، وعمل كقائد ومؤسس للدولة، وما زالت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حافلة بالدروس العظيمة في كيفية التعامل مع العمل في كافة مراحله.

إن أهمية العمل في الإسلام تتجسد في كونه وسيلة للرزق والعيش الكريم، وفي كونه طريقًا لنيل رضا الله تعالى. فالله سبحانه وتعالى يأمرنا في كتابه الكريم بالعمل الصالح الذي يحقق المنفعة العامة، ويعمل على تسخير الطاقة البشرية لخدمة المجتمع وإصلاح الأرض.

2. معنى الآية الكريمة (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)

الآية الكريمة تأتي في سياق عظيم من كتاب الله تعالى، حيث يبين الله عز وجل للمؤمنين أن العمل الذي يقومون به سيُرى لا محالة، أولًا من الله سبحانه وتعالى الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. ثم من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي سيشهد على أعمال الأمة، وأخيرًا من المؤمنين الذين يتابعون الأعمال ويشرفون عليها. هذه الآية تضع أمام المؤمنين رقابة ثلاثية من الله، ورسوله، والمؤمنين، مما يعزز من المسؤولية الشخصية والاجتماعية عن الأعمال التي نقوم بها.

الآية تذكر في سياقها أنه مهما اختلفت الأعمال وتنوعت، سواء كانت في مجال العلم أو العمل أو العبادة أو السياسة أو غيرها من ميادين الحياة، فإن الله يراقبها ويعلم تفاصيلها الصغيرة والكبيرة. وبذلك تضع هذه الآية إطارًا لإيجاد دافع قوي لدى المسلم ليكون عمله لائقًا ويخضع للأمانة.

3. العمل الصالح في الإسلام

يعد العمل الصالح من أهم المبادئ التي أكد عليها القرآن الكريم والسنة النبوية. والعمل الصالح لا يقتصر فقط على العبادة المباشرة مثل الصلاة والصوم، بل يشمل كل نشاط يهدف إلى خدمة المجتمع والإصلاح في الأرض. فالعامل الذي يخلص في عمله، سواء كان مهندسًا أو طبيبًا أو مدرسًا أو عاملًا يدويًا، له أجر عظيم من الله إذا كان عمله يقوم على النية الطيبة والهدف السامي.

لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث الشريفة أن العمل الصالح هو سبيل النجاة. فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: “إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”. هذا الحديث يعزز المفهوم أن قيمة العمل لا تقاس بحجمه أو شكله، بل يقاس بنية صاحبه وجودة إتقانه.

4. العمل والأمانة في الإسلام

إن الأمانة جزء أساسي من العمل الصالح في الإسلام. يجب على المسلم أن يتحلى بالأمانة في عمله؛ أي أن يؤدي العمل كما ينبغي دون نقص أو تهاون، وأن يتحمل مسؤوليته بكل جدية وإخلاص. ومن أبرز ما يعزز هذا المفهوم هو أن العمل في الإسلام لا يعترف بالأشخاص العاملين الذين لا يتحلون بالأمانة في إنجاز مهامهم. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: “من غش فليس منا”، وهو حديث يعكس بوضوح شدة عناية الإسلام بالأمانة في العمل.

5. العمل والتعاون المجتمعي

العمل في الإسلام ليس فقط أمرًا فرديًا، بل هو جزء من منظومة اجتماعية تشجع على التعاون والمساعدة المتبادلة بين أفراد المجتمع. فالحديث عن العمل في القرآن الكريم والسنة النبوية يتضمن أيضًا دعوة لتحقيق مصلحة عامة، والعمل المشترك من أجل خدمة الناس. ويعد العمل الجماعي من الأسس التي يقوم عليها بناء المجتمعات الإسلامية، حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وتعاونوا على البر والتقوى)، وهذا يشمل جميع ميادين الحياة بما فيها العمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

6. دور المؤمنين في العمل

يُظهر الإسلام في هذه الآية الكريمة، كما في آيات أخرى، أن المؤمنين مسؤولون عن بعضهم البعض في مراقبة أعمالهم وتشجيعهم على الاستقامة والإخلاص في عملهم. فالمؤمنون هم حراس لضمير بعضهم البعض. وعندما يطمئن المؤمنون إلى أن عملهم سيرى من الله ورسوله والمجتمع، فإن ذلك يعزز لديهم الدافع للمزيد من الجهد والاجتهاد في تحقيق النجاح.

7. الخاتمة

إن العمل في الإسلام ليس مجرد وسيلة لتحقيق الذات أو الحصول على المال، بل هو عبادة تؤدى لله سبحانه وتعالى. وقد وضعت آية (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) إطارًا قانونيًا وأخلاقيًا لهذه الأعمال، إذ تؤكد على أن العمل ليس مجرد فعل بشري عابر، بل هو جزء من الحياة التي يُراقبها الله ورسوله والمجتمع. ولذلك، يجب على المسلم أن يتحلى بأعلى درجات النية الطيبة والإخلاص في العمل، وأن يسعى دائمًا لتحقيق الأمانة والعدل في كل خطوة يخطوها في حياته.